قصة أغلى ثوب في العالم 5.3 ملايين دولار … أين تذهب كسوة الكعبة المشرفة بعد تبديلها؟
كسوة الكعبة تتخطى تكلفة كسوة الكعبة المشرفة 20 مليون ريال سعودي، وتعادل 5.3 ملايين دولار، مما يجعلها أغلى ثوب في العالم.
يتم تغطية الكعبة بكسوة مصنوعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن بالماء الذهبي. يتم تغيير هذه الكسوة مرة واحدة في السنة خلال موسم الحج، صباح يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة. وقد أبدع أكبر الفنانين الإسلاميين في تصميم هذه الكسوة، حيث يعد ذلك شرفًا عظيمًا في العالم الإسلامي.
يتم رفع كسوة الكعبة كل عام مع بداية شهر ذي الحجة لتغطية عدة أمتار منها. ثم يتم بطانتها بالقطن تمهيدًا لتغييرها بكسوة جديدة في عشية يوم عرفة. تظهر الكعبة وكأنها ترتدي الكسوة الجديدة مع المسلمين احتفالًا بالعيد، حيث تصنع الكسوة من الحرير الخالص وتجدل بالذهب والفضة، وتستبدل بكسوة أخرى تتميز بالبريق والتألق.
في الإسلام، يُعتبر تغطية الكعبة بكسوة “مشروعًا” أو “مستحبًا” على الأقل، وذلك لتعظيم بيت الله الحرام. يأتي ذلك استنادًا إلى ما ورد في القرآن الكريم: “وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ” (الحج: 30). كما أُحِلَّتْ الأنعام للاستفادة منها، ما عدا ما يتلف عليكم، فعلى المسلمين أن يتجنبوا الرجس المتعلق بالأوثان وأن يتجنبوا الزور والكذب.
تعتبر تغطية الكعبة من الشعائر الإسلامية والتقاليد التي تعودت عليها الأمة الإسلامية. وكانت الكعبة قد تمتعت بتعظيم واحترام في الشرائع السابقة للأنبياء. وعندما جاء الإسلام، استمرت العملية بتغطية الكعبة بالكسوة. وهذا العمل القائم على تغطية الكعبة مستمر حتى يومنا هذا.
والحكمة وراء تغطية الكعبة بالكسوة تكمن في أنها تمثل شعيرة إسلامية، وتأتي في متابعة لما قام به النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة في التاسع من الهجرة، قام بتغطية الكعبة بالثياب اليمانية خلال حجة الوداع. وكانت نفقات هذه الكسوة تأتي من بيت المال المسلم.
عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة بفتحها، لم يقم بتغيير الكسوة التي كانت قريش قد وضعتها على الكعبة. حافظ على تلك الكسوة ولم يغيرها. ولكن عندما احترقت الكعبة بسبب حادثة نشبت عندما كانت امرأة تبخر وتطيب الكعبة، قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتغيير الكسوة بالثياب اليمانية المخططة بالأبيض والأحمر.
ومن ثم، في عهد الخلفاء أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، تم تغطية الكعبة بأثواب بيضاء رقيقة تسمى “القباطي”، وكانت تصنع في مصر. عرف عمر بن الخطاب بأنه يقوم بتغطية الكعبة مرتين في العام من خزينة المسلمين، حيث يزيل الكسوة السابقة ويسلمها إلى شيبة بن عثمان الحجبي.
صناعة كسوة الكعبة بدأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين باستخدام الأقمشة اليمانية. استمرت هذه العملية حتى عهد معاوية بن أبي سفيان، حيث قام بأول عملية تعطير للكعبة خلال موسم الحج، وأضاف أيضًا تعطيرها في شهر رجب. وتمت عملية تغطية الكعبة مرتين في العام، حيث يتم تغيير الكسوة في يوم عاشوراء واستعدادًا لعيد الفطر.
كانت كسوة الكعبة في البداية تصنع من أفضل الأقمشة الدمشقية وترسل إلى مكة من منطقة الكسوة في دمشق، ومن هنا جاءت تسميتها كسوة الكعبة. ومع مرور الوقت، انتقلت صناعة الكسوة إلى مدينة تنيس المصرية، حيث بدأت صناعة الكسوة الفاخرة من الحرير وتطريزها. وكانت الخلفاء يتنافسون في تكريم الكعبة، فقد قام هارون الرشيد بتغطية الكعبة مرتين في العام، وزاد المأمون على ذلك وكساها ثلاث مرات في العام.
تمسك المصريون بشرف صناعة الكسوة واعتبروها مقتصرة عليهم، ورفضوا أي محاولة للتنافس في هذا الصناعة. في عام 751 للهجرة، قام ملك اليمن بتصنيع كسوة من بلاده، وحاول الفرس والعراق تكرار ذلك، ولكن حكام مصر أصروا على استمرار صناعتها.
في عام 751 للهجرة، قرر الملك الصالح الناصر بن قلاوون تخصيص وقف في مصر لتغطية الكعبة مرة واحدة في السنة. تم الالتزام بتنفيذ هذا القرار بانتظام حتى وقت محمد علي. وفي ذلك الوقت، حدث خلاف سياسي بشأن احتفالات قوافل كسوة الكعبة، مما أدى إلى توقف مصر عن تصنيع كسوة الكعبة لأكثر من 6 سنوات.
في عام 1233 للهجرة، تأسست دار صناعة الكسوة في القاهرة، ولكنها توقفت عن صناعة الكسوة الجديدة منذ عام 1381 للهجرة (1962 للميلاد)، حيث تولت المملكة العربية السعودية مسؤولية تصنيع كسوة الكعبة.
تأسس مجمع كسوة الكعبة بأمر من الملك عبد العزيز آل سعود بعد خلاف سياسي مع مصر، وذلك في عام 1346 هـ / 1927 م. تم تجهيز المجمع بأحدث آلات النسيج والتطريز، وتم تحديثها بشكل دوري كل عام.
يتولى أكثر من مائتي صانع مؤهل، المشرفة على صناعة أغلى ثوب في التاريخ، والذي يبلغ تكلفته 20 مليون ريال سعودي. يتم تدريب هؤلاء الصانعين من خلال برامج تدريبية وتطويرية عالية الجودة.
يتم إنتاج كسوة الكعبة الخارجية والداخلية، بالإضافة إلى كسوة الحجرة النبوية الشريفة. تستخدم أنواعًا ممتازة من الخيوط على مستوى عالمي، حيث يصل وزنها إلى 670 كيلوغرامًا. كما يتم استخدام أسلاك وخيوط من الذهب الخالص عيار 24 قيراطًا بوزن يصل إلى 120 كيلوغرامًا، وأخرى من الفضة تصل إلى 100 كيلوغرام.
تتجاوز تكلفة كسوة الكعبة المشرفة 20 مليون ريال سعودي، وهذا يعادل ما يقرب من 5.3 مليون دولار، مما يجعلها أغلى ثوب في العالم.
بعد تجهيز الكسوة القديمة في الوقت الحالي، تسلم إلى لجنة من الحكومة السعودية. تقوم هذه اللجنة بتقطيع الكسوة إلى قطع صغيرة، وتستخدمها كهدايا تُقدم لكبار الشخصيات والدول والسفارات في المملكة العربية السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم التعامل مع الكسوة القديمة من الكعبة بحرص واحترام. تُحفظ في مستودعات خاصة وتتم تجزئتها وفك المطرزات الذهبية والأحزمة والأجزاء الرئيسية منها وفقًا لمعايير النسيج. يتم توجيهها إما للمتاحف للعرض أو تُقدم كهدايا لضيوف الدولة.
هناك أماكن في العالم تعرض بعض كسوة الكعبة القديمة للزوار، مثل جامع أولو في مدينة بورصة التركية. يعرض فيه جزء من كسوة الكعبة التي تعود إلى عام 1517، وهي أقدم كسوة كاملة للكعبة موجودة بحالتها الكاملة في العالم. كما تعرض أجزاء من الكسوة القديمة في متحف العاصمة الإدارية الجديدة في مصر وفي معرض النسيج بالمعز في القاهرة.
وفي دار صناعة الكسوة بالقاهرة، التي تأسست عام 1233 هـ، يوجد أيضًا كسوة الكعبة القديمة تحفظ وتُعامل بعناية.
عرب لايف – منوعات